إن مفهوم عصر النهضة الإيطالية من زاوية الفن أنه عصر تطوير لقدرات الفنون وانطلاق الفنان ذي الشخصية الخلاقة نحو واقعية جديدة في تصوير الطبيعة وما تحويه من عناصر وأشكال تتصدرها الشخصية الإنسانية .
وسواء رأى البعض إن النهضة تعني إحياء أمجاد العالم القديم في الفنون أم أنها كما كانت مقصورة في الماضي تعني الثورة الثقافية في إيطاليا وأثر هذا الفن على العلوم في أوروبا الشمالية فإن النهضة قامت على أكتاف أولئك المجددين الذين أزاحوا عراقيل القرون الوسطى ونادوا بحرية الفكر والبحث فما أن بلغت روح النهضة إلى الفنانين حتى تبددت الأحوال القديمة وتحرك الفنانون إلى المستويات الفنية العالمية لعصر النهضة وكان منهجهم الديني هو الملهم الأول لفنهم وعلى ذلك فإن أعمال التصوير والنحت التي اتخذها الفنانون من حياة المسيح والعذراء والقديسين قد وجدت سلبيتها إلى مجال الحياة اليومية وأضفى الفنانون على هذه الأعمال مسحة مؤثرة قربتها إلى قلوب البشر .
وانجلت الحجب عن أبصار الفنانين في عصر النهضة واستطاعوا بأعينهم المتحررة ونزعتهم الإنسانية أن يدخلوا الطبيعة من أوسع أبوابها وأن يجولوا في مشاهدها الرائعة على الغرم من انشغالهم بالموضوعات الدينية اليومية وأصبح الوجود كله وليس الجانب الديني منه فقط هو الميدان الرحيب يجول فيه فنان عصر النهضة .
وعمل النحاتون والمعماريون في عصر النهضة بالروح ذاتها التي عمل بها المصورون فهذا - دونا -بنظراته التي استمدت مقوماتها من العالم المحيط به الذي يفيض إنسانية وينبض بالبهجة كل ذلك في إطار من معتقداته الدينية .
ويمكن تقسيم عصر النهضة تقسيما ملائما إلى مرحلتين دامت كل منها قرنا من الزمان استوعبت القرن الخامس عشر حينما تطور كل من جنوب إيطاليا وشمالها على حدة والمرحلة الثانية التي انضم فيها شمال إيطاليا إلى جنوبها في وحدة شاملة .
وتتميز فنون النضهة في الشمال بأنها أكثر منطقية وأكثر دقة من واقعية الجنوب فقد ارتبطت أعمال الفنانين الشماليين في عصر النهضة بتقاليد الفن القوطي التي بقيت آثارها في المخطوطات المصورة وفي زخرفة الكاتدرائيات وهذا يوضح شدة ارتباط فنان الشمال بالبيئة واهتمامه بإبراز التفاصيل في أعماله الفنية .
أعلام عصر النهضة
جيوتو ( 1266- 1337 )
الفنان الفلورنسي الذي كشف أسس التصوير الحديث لعصر النهضة وأكسب الأشخاص في تصويره حيوية ومظهرا فوق ما أصفاه من خيال على مختلف المناظر التي رسمها .
وما رسمه الفنان كذلك من لوحات الفرسك ذات الطابع الديني يؤكد نبوغه وقدراته على إظهار تفصيل الأشياء والأبعاد والظلال والأضواء فوق ما يشع منها من أحاسيس عاطفية تحملها تعبيرات الوجوه والأيدي وحركات الأشخاص ومن أمثلة ذلك اللوحة التفصيلية – مقابلة عند البوابة الذهبية – في بادوا وكذلك في لوحة – البكاء على القديس فرانسيس - وحينما يعالج جيوتو رسم الجماعات نلاحظ تزاحما كما يبدو روح الحادث من خلال روح الجمع كله فهناك مشاركة عامة أو وحدة مشاركة نتبينها على الوجوه وفي الأيدي وفي الملابس والعمارة وفي الخلفية وما يكون فيها من أشجار ونباتات .
وكذلك فإن من صفات أعمال جيوتو تشابه الوجوه تشابها لا يحدد فردية بذاتها وإنما هو أسلوب واحد متقارب وطريقة بذاتها يتبعها الفنان في إنجاز ملامح الوجه وتفاصيله بما يحدد معالم شخصيته ويحقق التعبير الذي ينشده .
ليوناردو دافنشي ( 1452 – 1519 )
كان ليوناردو دافنشي مصورا كما كان نحاتا ومخترعا سبق عصره بما اخترعه من أدوات الحرب والسلم على السواء وكان إلى جانب ذلك موسيقيا وكذلك قام بوضع أول كتاب عن التشريح كما أنه كان كيميائيا وعالما وعندما حمل أبوه رسومه وهو صبي صغير إلى صديقه الفنان فيروشيو ليطلعه على ابنه أدرك الأستاذ من فوره عبقرية الصغير وطلب إلى أبيه أن يتتلمذ ابنه عليه .
ومن أعجب ما يروى عن هذا التلميذ العبقري أن أستاذه في زحمة عمله طلب إليه إن يساعده في رسم ملاك في إحدى اللوحات ولما أنجز – ليوناردو – رسم الملاك طغت روعته على أشخاص اللوحة ورأى أستاذه ذلك فتولاه الذهول لتفوق تلميذه عليه فترك فرشاته وهجر التصوير واشتغل بالنحت بقية حياته . ومن أعمال ليوناردو التي بلغت حد الأعجاز لوحته الكبرى – العشاء الأخير – وقد جلس وسط المائدة السيد المسيح وعن يمينه وشماله حواريوه الذين يمجون في حركات وإشارات هي الإبداع نفسه وما ارتسم على وجوههم من تعبيرات عميقة متنوعة .
ومن لوحاته الشهيرة أيضا لوحة – الموناليزا- أو – الجوكندة - فقد رسمها الفنان تحت أنغام الموسيقى وانعكست هذه الأنغام الرائعة كما أراد الفنان على صاحبة اللوحة فأكسبتها تلك الابتسامة الغامضة العميقة والتي شبهوها بابتسامة أبي الهول . والمنظر الخلقي للموناليزا وهو انهار يردد في مجموعة الغموض والعمق اللذين حققهما الفنان على الوجه الخالد .
ميكل انجلو – 1475- 1574-
اتجه ميكل انجلو للنحت منذ طفولته ووصل فيه إلى قمة عالية قل إن يصل إليها فنان ، ولقد كلف البابا ميكل انجلو برسم سقف كنيسة سستين وهو النحات المرموق واضطر ميكل للقيام بهذا العمل اضطرارا بعدما رفض رجاءه أن يقوم رفائيل بهذا العمل وفي يوم 10 مارس من سنة 1508 كتب الفنان الخالد هذه العبارة – اليوم أنا ميكل انجلو النحات ابدأ في تصوير المصلى – وفي العام التالي أضاف العبارة – ليست هذه مهنتي فأنا أضيع وقتى - ولكن العالم يشهد بأن ما حققه انجلو في تصويره موضوعات كنيسة سستين هو الأعجاز بعينه لقد مزج الفنان بين النحت والتصوير في هذه الأعمال فبدت وكأنها لفرط قوتها وروعتها بارزة مجسمة على الحائط ، ومن الأعمال الخالدة للفنان ميكل انجلو تمثال – موسى – الذي تجلت فيه القدرة الخارقة على تشكيل الرخام وطواعيته له ليحقق منه معاني القوة والعزم .
روفائيل - 1493- 1520
الفنان الذي صور الجمال وأشاعت لمساته الإحساس به في أعماله خلال عمرة القصير ( 27 عاما ) انظر لوحاته التي صور فيها مختلف الشخصيات كلوحة البابا يوليوس الثاني وما تعبر عنه الوجوه من معان بالغة العمق ولا جدال في إن أسلوب الفنان وطريقته في التصوير قد جعلا منه شخصا محبوبا من الناس وله مريدون كانوا يحيطون به وهو يسير في شوارع روما ثم كان أن أصيب الفنان العظيم بالحمى خلال قيامه بأعمال التصوير في الفاتيكان ومع غرب شمس السادس من أبريل عام 1520 م طويت بموته صفحة مشرقة من تاريخ التصوير في عصر النهضة
Bookmarks